معبد أبو سمبل.. خمسون عاما على المعجزة

إنقاذ معبد «أبو سمبل»
إنقاذ معبد «أبو سمبل»

خمسون عاما مرت علي على افتتاح معبد أبو سمبل للزيارة، حيث يوافق خلال الأيام المقبلة مرور خمسون عام على هذا الحدث الهندسي التاريخي  الهام وبهذه المناسبة دعونا نلقى الضوء على هذا الحدث الهام حيث تم الانتهاء من مشروع  إنقاذ معبدي أبو سمبل فى ٢٢سبتمبر ١٩٦٨.

 

تقع قرية أبو سمبل في أقصى الجنوب الغربي لمصر على الشاطئ الغربي لبحيرة السد العالي ٢٨٠ك م جنوب أسوان حيث يوجد معبدى أبو سمبل الذي  بناهما الملك رمسيس الثاني ثاني ملوك الأسرة ١٩ والذي اكتشافه الرحالة السويسرى يوهان لودفيج بوكهارت عام ١٨١٣ ولكن قام الأيطالى جيوفاني باتستا بلزونى بتنظيفه  ووصل حتى قدس الأقداس عام ١٨١٧ .  


يروي كبير أثاريين وزارة الآثار مجدي شاكر ، لـ "بوابة أخبار اليوم "، أن أرض النوبة كانت موطنا لعبادة الكثير من الألهه طوال العصور الفرعونية والرومانية والمسيحية وأنشئ بها كثير من المعابد على جانبي النيل من دابود إلى أدندان لأنها من الأماكن التي قدسها المصريون من أقدم العصور .


وأضاف شاكر أن حين بدأت مصر بناء السد العالي أسهمت مختلف دول العالم لإنقاذ هذه المعابد وفى ١٨مارس١٩٦٠، انعقد مؤتمر في باريس لتوجيه الدعوة عن طريق اليونسكو لكافة حكومات العالم ومنظماته للمساهمة فى إنقاذ التراث الانسانى من الغرق ولأول مرة يعلن فيه أن منطقة أبو سمبل جزء من تراث العالم القديم وقد اشتركت واحد وخمسون دولة من دول العالم فى المساهمة فى إنقاذ هذا التراث وكان أهم ماتم أنقاذه منها هو معبد رمسيس الثاني ومعبد زوجته الملكة نفرتارى في أبو سمبل ، وجمعت دول العالم ٣٦مليون دولار دفعت فيها مصر ١٢مليون دولار وأمريكا ١٢مليون دولار والدول الأخرى ١٢مليون وتكلف السد حول المعبدين ستة مليون وسبعمائة الف دولار تكلفة السد الصناعي المؤقت وساهمت ستة شركات عالمية فى الأنقاذ أكبرهم شركة هوختيف الألمانية وأطلس المصرية  وأخرى ايطالية وفرنسية وسويدية وقام مركز تسجيل الآثار المصرية بتسجيل نقوش المعبدين .


وتابع شاكر ، أن معبد أبو سمبل يعتبر أكبر وأصخم معبد منحوت في الصخر في العالم وهو آية في العمارة والهندسة القديمة إذ نحت فى عمق جبل صخري لمسافة ٦٢م على الضفة الغربية للنيل وهو فريد في واجهته التي ترتفع ٣٢م بعرض ٣٥م  ، تتقدمها أربعة تماثيل منحوتة جالسه لرمسيس الثانى بارتفاع ٢٠م وبجوارها عدة تماثيل أصغر لزوجته وأبنائه وفى أعلى صف من القرود واقفة تهلل لشروق الشمس عددها واحد وعشرون  فوق تمثال لرع حور اختى برأس صقر ناهيك عن مناظر المعبد التى تسجل معركة قادش كاملة التى قادها ضد الحثيين وأنتصر عليهم. ووقع مع ملكهم أول معاهدة سلام فى التاريخ بل وتزوج أبنته بما يسمى زواج سياسي.

 

وتابع شاكر ، انه كرس المعبد لعبادة الإله رع خور اختى الذي يصور عادة على هيئة بشرية برأس صقر على رأسه قرص الشمس ، وهناك أعجوبة هندسية وفلكية ترتبط بهذا المعبد حيث تخترق أشعة الشمس باب المعبد ثم القاعات حتى قدس الأقداس مرتين فى العام يومى ٢٢فبراير- ٢٢أكتوبر وقيل هما يومي ميلاده وتتويجه على العرش؟


وتبدأ أشعة الشمس أولا على وجهي آمون رع  ثم رمسيس الذى آله ولا تأتى على بتاح نهائيا لارتباطه بالموت وقيل ربما كان له علاقة بموسم الزراعة والخصوبة وقد رصدت المستكشفة أميليا إدوارذ والفريق المرافق لها هذه الظاهرة عام ١٨٧٤وسجلتها فى كتاب (الف ميل فوق النيل)عام ١٨٩٩ 


وقد قيل إن سبب تسميته بهذا الاسم نسبة للطفل الذي قاد المستكشفين له حيث كان مطمورا تحت الرمال، وكما كان المعبد معجزا في كل تفاصيله القديمة فقد كان إنقاذه معجزة بكل المقاييس فبدأت العملية في عام  ١٩٦٤ _١٩٦٨حيث بدأت بإحاطة المعبدين بسد حديدي ارتفاعه ٢٥م ، يعزلهما عن مياه النهر ثم رفع الجبل وأزالته ، ثم تقطيعة لأجزاء بلغ عددها ١٥٠٠كتلة ، تترواح من ٧طن _٣٣ طن بمنشار يدوى من الأمام وكهربائي من الخلف (يبلغ المعبد الكبير ٢٥٠الف طن) ،ثم تقطيع كل أجزاء المعبد إلى أجزاء لا تتعارض مع تقسيم النقوش ثم ترقيمها ونقلها للموقع الجديد والذي يبعد عن المكان الأصلي ٢٠٠م، ويعلوه ب٦٠م ، ثم أعادة بنائه مرة أخرى ،حيث بدأ العمل من قدس الأقداس في اتجاه الواجهة مع المحافظة على الاتجاهات الهندسية التي كان مقاما عليها والمكان الجديد فوق مستوى سطح البحر ١٨٩م، وأعلى منسوب لمياه السد ١٨٣م.


وهناك معجزة هندسية تمت وهى إقامة قبة خرسانية لحماية المعبد وإعادة شكل الجبل الذي كان موجود قبل الإنقاذ في منطقة زلازل والقبة هي أكبر قبة في العالم ترتفع ٣٨م وطولها ٦٦م وعرض ٦٠م ، وسمك الخرسانة من المركز ١٤٠سم ومن الجانبين مترين وتحمل ستمائة ألف طن من الركام من الحجر الجيري والتراب فوقهما مكونا جبل صناعي  وتم تركيب ٣٦٠ جهاز قياس  في سقف القبة وأنحائها لإعطاء كل القياسات المطلوبة للمحافظة عليها واكتشاف أي شروخ أو تفتت في الصخور .


وعلى مسافة قريبة شمال المعبد الكبير نحت رمسيس الثاني معبد لجميلة الجميلات زوجته نفرتارى وكرس المعبد للمعبودة ربة الجمال والحب والرقص والموسيقى وهى أول زوجة تزوجها من ٦٧زوحة وكانت ابنة أحد كبار ضباطه من عامة الشعب .
والمعبد له واجهة على شكل بيلون نحتت بها ستة تماثيل أربعة للملك واثنان للملكة بنفس الحجم  بارتفاع عشرة متر وحولهم تماثيل لعدة أمراء ثم صالة وقدس أقداس.


ويجب ألا ننسى إنسان مصري كان له الفضل الأول في مشروع الإنقاذ وهو د. ثروت عكاشة وزير الثقافة والإرشاد القومي الذي وجه نداء لليونسكو للإنقاذ والفنان المصري أبن النوبة أحمد عثمان أبو الروس صاحب فكرة تقطيع المعبد وفى هذا الإطار دعي السيد الرئيس في مؤتمر الشباب الذي أقيم في أسوان لإقامة احتفالية كبرى بمناسبة اختيار أسوان عاصمة للثقافة العربية .


جدير بالذكر أنه في عام 1959 دعت منظمة اليونسكو لعقد مؤتمر يضم مندوبى 13 دولة ورؤساء البعثات الآثرية في مصر، وتم الاتفاق على ضرورة إنقاذ آثار النوبة بناءا على طلب مصر من اليونسكو، وفى عام 1960 وجه المدير العام لليونسكو "فيتر ونيزى" نداءً عالمياً لإنقاذ آثار النوبة، وكانت بداية إسهام المنظمة فى الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة ومعبدى أبو سمبل من الانغمار بمياه النيل عند بناء سد أسوان، واستمرت الحملة 20 عاما نقل خلالها 22 معلما وأثرا معماريا من مكانه.